انتقادات لمراسم قصف سردشت الكيميائي
قصف سردشت الكيميائي حدث مؤلم وهو إحدى أبشع جرائم الحرب في القرن العشرين، وقع في 28 يونيو/حزيران 1987، على يد نظام البعث العراقي ضد المواطنين العزل في مدينة سردشت غرب إيران. لم يكن هذا الهجوم أول هجوم كيميائي تتعرض له مدينة في العالم فحسب، بل يُعد أيضًا من أكثر حالات استخدام الأسلحة الكيميائية انتشارًا ضد المدنيين.
المؤلف:
محمد علي سورة - ماجستير في العلوم السياسية
قصف سردشت الكيميائي حدث مؤلم وهو إحدى أبشع جرائم الحرب في القرن العشرين، وقع في 28 يونيو/حزيران 1987، على يد نظام البعث العراقي ضد المواطنين العزل في مدينة سردشت غرب إيران. لم يكن هذا الهجوم أول هجوم كيميائي تتعرض له مدينة في العالم فحسب، بل كان أيضًا أحد أكثر حالات استخدام الأسلحة الكيميائية انتشارًا ضد المدنيين. في هذا الهجوم، استهدفت الطائرات العراقية أربع مناطق مكتظة بالسكان في مدينة سردشت بقنابل تحتوي على غاز الخردل. يُسبب غاز الخردل، وهو عامل مُنفِّط، حروقًا بالغة، ومشاكل في الجهاز التنفسي، وعمىً مؤقتًا أو دائمًا، وأضرارًا بالغة في الأجهزة الداخلية. أودت كارثة سردشت بحياة العديد من المدنیین، ليس فقط وقت الهجوم، بل لسنوات بعده؛ حيث عانى العديد من المصابين من مضاعفات مزمنة ومؤلمة جراء القصف، حتى أن بعضهم توفي متأثرًا بهذه المضاعفات.
أدی الهجوم ألی مصرع 110 من مواطني سردشت، كثير منهم أطفال ونساء وكبار في السن، وأصيب أكثر من 8000 شخص نتيجة استنشاق الغاز أو ملامسته.
لم تقتصر كارثة سردشت على اللحظات الأولى للهجوم، بل عانى آلاف المصابين، ولا يزالون، من مضاعفات مزمنة ومُنهكة ناجمة عن غاز الخردل لسنوات، بل وعقود، بعد ذلك. ومن بين العواقب طويلة الأمد للهجوم، مشاكل الرئة والجهاز التنفسي، وأنواع مختلفة من السرطان، وأمراض الجلد، والمشاكل النفسية والعصبية. وقد استشهد العديد من هؤلاء الأشخاص في السنوات التالية بسبب هذه المضاعفات. تُقام حفل إحياء ذكرى القصف الكيميائي لسردشت واليوم الوطني لمكافحة الأسلحة الكيميائية والجرثومية كل عام من قبل مؤسسات ومنظمات مختلفة على المستوى المحلي (في مدينة سردشت)، بما في ذلك مؤسسة شؤون الشهداء والمحاربين القدامى، والحاکم والبلدية، وجمعية الدفاع عن حقوق ضحايا الأسلحة الكيميائية في سردشت، وأحيانًا على المستوى الوطني (في طهران)، ويحضرها مسؤولون رسميون ومنظمات غير حكومية وعائلات الشهداء والمحاربين القدامى وعامة الناس. ويصاحب هذا الحفل عادةً وضع الزهور على قبور الشهداء، وقراءة بيانات وخطب من المسؤولين، وقرع الطبول، وأمسية شعرية، وحضور شخصيات من إقليم كردستان، وخاصة حلبجة، وأهالي ومسؤولي سردشت، إلخ. والغرض من هذا الحفل هو إحياء ذكرى شهداء وضحايا هذا الحادث المرير وإدانة جريمة الحرب.
وفي هذه الأثناء، من المناسب أن نعرب عن امتناننا لمؤسسي هذه الحفل السنوي، وأن نتقدم بانتقادات جادة وصريحة وفعّالة لمراسم القصف الكيميائي السنوي لسردشت. لا تهدف هذه الانتقادات إلى التدمير، بل إلى إحداث تأثير اجتماعي، واستعادة كرامة الضحايا. يُعبّر عن كل انتقاد بإيجاز وفعالية، ويمكن طرحه في المجال العام وفي النقاشات المدنية.
مع مرور أكثر من 38 عامًا على كارثة قصف سردشت الكيميائي، أصبح الاحتفال السنوي نمطياً للغاية، ومكرراً، وباهتاً. وخلال هذه الأعوام الـ 38، لو طُبّقت خطة ومشروع واحد فقط لتوفير فرص العمل بدلًا من كل هذه الاحتفالات المملة والخالية من المضمون، لكانت سردشت رمزًا ونموذجًا للقضاء على الظلم والحرمان في إيران.
تتضمن معظم البرامج خطابات متكررة، وبيانات مقروءة، وتمجيدًا رمزيًا لبعض الناجين، دون أي ابتكار أو تأثير حقيقي. وغالبًا ما لا يتغير المحتوى من عام لآخر. تخلو البرامج من أي ابتكار ثقافي أو سرديات جديدة، وأکثر المشاركون من مؤسسات رسمية بدل أشخاص حقيقيین.
فرصة ضائعة لتحويل سردشت إلى رمز عالمي لضحايا الأسلحة الكيميائية
على الرغم من موقعها التاريخي الفريد، لم تُعرَف سردشت بعد كرمز عالمي للجرائم الكيميائية؛ حتى أن العديد من الإيرانيين يجهلون هذه المأساة وهذا تشويه ذاتي للذاكرة.
في تكرار غير فعال، دون إعادة ابتكار للمحتوى
تُقام الاحتفالات كل عام بتنسيق شبه ثابت، ومواضيع متشابهة، وعروض متوقعة إنها لا تجذب جيلًا جديدًا، ولا تخلق سردية جديدة.
على الرغم من أهدافها الإنسانية والقيمية الأولية، تحولت جمعية دعم ضحايا سردشت الكيميائية عمليًا إلى مؤسسة سلبية في السنوات الأخيرة، تقتصر على التواصل الداخلي، وغير فعالة في المجال العام. ومن بين القضايا التي أهملتها الجمعية: عدم قدرتها على استقطاب الدعم الدولي أو الإعلامي، وضعف توعية الشباب وحضورهم كجيل ثانٍ من الضحايا، وضعف التخطيط في الدعم النفسي والثقافي والاقتصادي للضحايا، والاعتماد المفرط على الميزانيات الحكومية، وضعف المشاركة العامة، واستقرار وتكرار معظم أعضاء مجلس إدارتها، وضعف الإبداع والابتكار، وغياب خطة استراتيجية طويلة المدى لدعم شامل ومستدام للضحايا. في حين كان بإمكان الجمعية أن تكون قوة دافعة للعدالة، وحافظة للذاكرة الجماعية، وأن تصبح مطالبة فاعلة. أما الجيل الجديد، فليس لديه أي صلة ملموسة بالكارثة؛ فهو لم يعشها، ولم يروها، ولم يشارك فيها. ويرى البعض أن كارثة سردشت تُستخدم لأغراض دعائية فقط؛ يعلم الناس أن المصابين ما زالوا يعانون من مشاكل في الدواء والتأمين والدخل والعلاج. ونتيجةً لذلك، حوّل انعدام الثقة وخيبة الأمل من هذا الاحتفال تدريجيًا إلى مناسبةٍ بلا روح.
يُقام احتفال سردشت، السابع من تير، في الغالب على المستوى المحلي، وفي أحسن الأحوال على مستوى المحافظة، في حين أن هذه الجريمة تُعدّ من الحالات القليلة التي استُخدمت فيها الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في العالم. ومع ذلك، لم تُصبح قضية سردشت رمزًا وطنيًا أو عالميًا للمقاومة والقمع، كما أصبحت حلبجة بالنسبة لأكراد العراق.
لماذا لا يحتفل الإعلام الوطني بهذا اليوم؟ لماذا لا يُذكر سردشت في الكتب المدرسية والوثائق الرسمية والاحتفالات الوطنية؟
إن إقامة المؤسسات الرسمية احتفالات دون حضور جاد لجيل ما بعد الكارثة، يجعل هذه المناسبة أشبه بذكريات رمزية أكثر منها مطلبًا حيويًا للمستقبل.
الحل:
يتطلب حفل قصف سردشت الكيميائي إعادة إحياء جذرية؛ من مجرد ضحية إلى سعي حثيث للعدالة، ومن حفل محلي إلى رمز وطني-دولي، ومن ذرف الدموع إلى رفع الوعي والعمل العالمي. ومن القضايا التي يمكن النظر فيها وتطبيقها، تأميم كارثة سردشت وعولمتها كجريمة ضد الإنسانية، وتوفير منصة للمطالبة بالعدالة، ورفع الوعي العام بشأن الأسلحة المحظورة وضحايا الحرب، وجذب مشاركة الشباب والفنانين في سرد القصص التاريخية والثقافية، وتحويل سردشت إلى رمز عالمي ضد الحرب الكيميائية إلى جانب حلبجة وهيروشيما وناغازاكي، وتعزيز مكانة سردشت في وسائل الإعلام الوطنية والدولية، وتعزيز الذاكرة الجماعية والوحدة الوطنية حول كارثة منسية، وتخصيص أموال خاصة لمشاريع فرص العمل للقضاء على الحرمان وتوفير الدواء والعلاج للمصابين، وإعادة بناء جمعية المصابين إلى مؤسسة ديناميكية وشعبية، وجذب مشاركة الجيل الجديد من خلال سرد القصص والمشاريع المدرسية والمهرجانات الفنية، وفي نهاية المطاف تحويل "الضحية" إلى "الناشط" على المستويات المحلية والوطنية والدولية.
الآراء